بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين
ولا عدوان الإ على الظالمين
والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين
أما بعد
فإن التعصب للرجال داء عظيم ووباء خطير أردى بهلاك كثير من أهل البدع قديماً وحديثاً وأصل ذلك بسبب حبهم المفرط لفلان أو بغضهم المفرط لعلان حتى وقع من وقع في الحزبية ومخالفة الجماعة لذلك حذر السلف الصالح رحمهم الله من الإفراط في الحب و البغض :
ففي الأدب المفرد للبخاري بسند صحيح عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: [ لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا وَلَا بُغْضُكَ تلفا ] .
فقال زيد بن اسلم كَيْفَ ذَاكَ ؟
قَالَ : [ إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصبي وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف ].
وثبت عن عن علي رضي الله عنه قال: [ أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عسى أن يكون حبيبك يوما ما ] .
وقد جاء بمثل هذا اللفظ مرفوعاً من حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا، مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ] كما في المعجم الأوسط للطبراني
وأخرجه الترمذي مرفوعاً أيضاً من حديث أبي هريرة ثم قال : وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ .
وقال البيهقي : وَالْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ . أي أن الراجح فيه هو الوقف والمرفوع معلول والله أعلم .
وقال الحسن البصري –رحمه الله- [أَحَبُّوا هَوْنًا وَأَبْغَضُوا هَوْنًا، فَقَدْ أَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي حُبِّ أَقْوَامٍ فَهَلَكُوا، وَأَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي بُغْضِ أَقْوَامٍ فَهَلَكُوا، فَلَا تُفْرِطْ فِي حُبِّكَ، وَلَا تُفْرِطْ فِي بُغْضِكَ ] رواه البيهقي في الشعب
وأنشد بعض السلف قائلاً : [ فَكُنْ مَعْدِنًا لِلْحِلْمِ وَاصْفَحْ عَنِ الْأَذَى ... فَإِنَّكَ رَائِي مَا عَلِمْتَ وَسَامِعُ
فَأَحْبِبْ إِذَا أَحْبَبْتَ حُبًّا مُقَارِبًا ... فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ فَارِغُ
وَأَبْغَضْ إِذَا أَبْغَضْتَ بُغْضًا مُبَاعِدًا ... فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى الْوُدُّ رَاجِعُ ]
والبعض قد يرى أن شيخه مظلوم ويظن فيه مع هذا الصلاح والعلم فتراه –إن لم تحجزه خشيته لله- يتعصب ويفجر رداً على ذلك الخصم والذي يظنه ظالماً ، وتعصبه هذا –لشيخه- من جنس تعصب المشركين لباطلهم ، والمصيبة أنه يرى في تعصبه هذا أنه ينصر الدين ويحمي ويدفع عن أعراض العلماء وقد قال ربنا في حال أمثال وأشباه هؤلاء {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } ولاشك أن مثل هذا الصنف له نصيب من هذا الوعيد بقدر مخالفته للحق .
وعلى كل فلا يجوز لأحد التعصب مهما كانت دواعيه فالتعصبُ صفةٌ ذميمة لا ينبغي للمسلم أن يتصف بها فإن " التعصب لأمر من الأمور بلا هدى من الله من عمل الجاهلية، ومن أضل ممن اتبع بغير هدى من الله " (1)
والواجب على من رأى شيخه أو حبيبه قد ظلم أن يدفع عنه وأن ينصره بالحق لا بالباطل وبالصدق لا بالفجور .
كما أن الواجب على الجميع -حال التنازع- التحاكم إلى الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وأن يدعوا التعصب الذميم والتقليد المقيت وبَطَر الحق، وغمط أهله فإن ذلك من الكبر عياذاً بالله
وإن " من المعلوم لدى كل مسلم عنده فرقان بين الحق والباطل أن الإسلام دين واحد { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخر من الخاسرين }.
فالإسلام دين لا أديان وجماعة واحدة لا جماعات، ومنهج واحد لا مناهج، وطريق واحد لا طرق: وهو اتباع المنهج القويم الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وهو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وقد كان سلفنا الصالح متمسكين بهذا المنهج القويم عقيدة وعبادة وعملاً وأخلاقاً وآداباً وأحكاماً وحدوداً ومنهج حياة، يرجعون في كل ما تنازعوا فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن التعصب للآراء والأهواء والطوائف والأشخاص، ثم خلف من بعد ذلك خلف استبدلوا الخبيث بالطيب والباطل بالحق، والبدعة بالسنة، واتبعوا غير سبيل المؤمنين " (2) فتعصبوا للرجال وردوا الحق الواضح ووقعوا في الضلال الفاضح وممن وقع بشيء من هذا :