الاحتكار في التعريف العام هو حبس الشيء عن العرض وقت الرخص، وبيعه وقت الغلاء في السوق، وعند اشتداد الحاجة إليه.
وآثار الاحتكار ليست وليدة اليوم أو الأمس بل يلمسها الناس في كل زمان ومكان، وأشد أنواع الاحتكار تأثيرًا على المواطن هو احتكار القوت اليومي له، وقد قال - صلى الله عليه وسلم: "من احتكر على المسلمين طعامًا ضربه الله بالجذام أو الإفلاس".
ويعرف فقهاء الإسلام الاحتكار على أنه "شراء السلع وجمعها من الأسواق وقت قلتها لبيعها طلبًا للربح عند شدة الحاجة إليها" وبناءً على ذلك فليس من الاحتكار:
- ادخار الفلاح والمستورد الذي يستورد السلعة ولا يشتريها من السوق.
- شراء السلعة وقت الرخص وادخارها.
- شراء السلعة وقت غلائها لتباع في حينها.
- وقد اتفق العلماء على منع الاحتكار في طعام القوت، واختلفوا في هل يمنع احتكار غير القوت من السلع الأخرى كاللباس والأثاث والمعدات وغيرها من كماليات الطعام كالمكسرات والحلويات والفواكه، فمنع الإمام مالك الاحتكار في السلع كلها لعموم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"، في حين جوّز الشافعي وغيره الاحتكار في غير القوت.
ومن استعراض النظرية الاقتصادية والفكر الإسلامي في مسألة الاحتكار نجد الفروق الآتية بين كل منهما:
1 - أن الاحتكار في النظرية الاقتصادية يرتبط بالمنتج وتكاليف الإنتاج.
2 - الاحتكار في الفكر الإسلامي يرتبط بالمضاربة على السلع وقت الأزمات أي في أوقات انخفاض العرض الكلِّي وزيادة الطلب، وهي الفترات التي تتسم بارتفاع الأسعار.
ومن ذلك أن المحتكر في النظرية الاقتصادية هو المنتج، والمحتكر في الفكر الإسلامي هو المضارب، حيث يستثنى من ذلك المنتج الذي ينتج السلعة بنفسه والجالب الذي يجلبها من الخارج إلى السوق، فقد ورد في الموطأ عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - أنه قال" لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كيره في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء وليمسك كيف شاء"، وهو أمر له أكثر من أصل في الشريعة، فالإسلام يشجع المرء على الكسب بيده، ويشجع على الإنتاج والضرب في الأرض طلبًا للرزق، وينهى - في نفس الوقت - عن استغلال حاجات الآخرين، وبيعهم حاجاتهم بأكثر من قيمتها المعروفة، وهو ما يسمى في الفقه "بيع المضطر" الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول الفقهاء: إن من احتكر سلعة على الوجه الممنوع يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج السلعة إلى السوق ويبيعها لأهل الحاجة إليها بالسعر الذي اشتراها به ولا يزيد عليه شيئا؛ لأنه منع الناس منها بشرائها من غير وجه حق، فيجب أن يمكنهم منها بالسعر الذي كانوا يشترونها به لو لم يتعدَّ عليها.
كما يعطي الفقهاء أيضًا المبرر لتدخل السلطة في حال امتناع المحتكر عن ذلك "فإن لم يفعل ذلك بنفسه أجبر عليه، وأخذت السلعة منه ليشترك الناس فيها، ولا يعطى إلا رأس ماله الذي اشتراها به".
ورغم الفرق بين مفهوم الاحتكار في النظرية الاقتصادية والفكر الإسلامي، إلا أنه يمكننا القول بأن المحتكر هو كل من يستطيع ممارسة:
1 - التحكم في السعر زيادة أو تخفيضًا.
2 - سياسة تميز الأسعار Price Discrimination
3 - التقييد أو التأثير على حرية الدخول والخروج من وإلى السوق.
سواء كان منتجًا أم مضاربًا أم حتى من الأصحاب السلطة الإدارية، كما أن موضوع الاحتكار يخضع لاعتبارات عديدة منها تطور العلاقات الاقتصادية والتطور التكنولوجي وحقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، ومن المصالح المرسلة في الفقه الإسلامي وهو مادة دسمة للأخذ والرد والنقاش يمكن معها الوصول إلى تصور معين لكل حالة من حالات الاحتكار، حيث تعتمد مقاومة الاحتكار على الآثار السلبية لكل حالة من هذه الحالات.